الثلاثاء، 16 يونيو 2009

لص المناديل المبللة


كان ذلك اليوم الاول بعد عودتى من برد الغربة ، كنت أسير فى الشوراع بلا هدف، أشعر وكأننى طفل انتكس بعد أن بلغ الفطام فعاد متلصصاً يتحسس ثدى أمه وهى نائمة ، صعدت إلى حافلة الركاب المارة بشارع كورنبيش النيل ، رأيتها جالسة فى المقعد وحيدة ، جلست بجوارها ، شاهدت أطراف أناملها تحاول مسح دموعاً تتسرب من عينيها ، عندما زاد جريان الدمع ، أخرجت نظارة سوداء غطت بها نصف وجهها ، ومع ذلك تزايدت قطرات الدموع وتزاحمت على خدها أكثر فأكثر ، أخرجت لها حزمة مناديل ورقية كانت فى حيبى ، وضعتها فى السنتيمترات التى تفصل بين ساقينا ، امتدت يدها الى الحزمة بعد تردد لكنها جذبت منها المنديل تلو الآخر ، التقطت بيدى المنديل الآخير وكتبت عليه سؤالا ، قرأت مافيه ثم أدارته وكتبت على ظهره : أتريد أن تشترى أسرار إمرأة ببضعة مناديل؟!!
عندما توقفت الحافلة نهضتْ لتنزل فى محطتها ، التهمنى عبق مرورها عندما اقتربت منى ، ترددت قليلا ثم نهضت واقفا بلا وعى خلفها وأنا مجذوب بسحابتها السحرية التى أطفأت عقلى وأشعلت النار فى كل مستقبلاتى .
سرت وراءها ثم توقفت عندما توقفت مستقرة أمام السياج الحديدى للنهر ، تسمرت على اليمين بجوارها على بعد خطوتين منها ، لاحظت أن دموعها مازالت تتساقط ، انصرفت وعدت بعد لحظات وبيدي حزمة مناديل أخرى وضعتها على مسند السياج بجوارها ، كانت قدمي تتحركان ناحيتها بلا وعي كلما تقاطرت دموعها غزيرة على وجنتيها ، أثناء ذلك كانت تنظر لصفحة الماء وأنا استمع لتأوهاتها المكتومة ونواحها المحرم .. تذكرت اسطورة عروس النيل..
أصبحت بجورها تماما عندما لم يبقى سوى منديل واحد ، أخذت القلم من جيبى ، كتبت على المنديل الأخير : ماذا تريد منى؟
قلت لها بعد أن قرأت : لا اعرف ، و لا أريد أن اعرف سر بكاءك ، و لا أريد مطاردتك ، ولن اعرض عليك مساعدتى ، فقط دعينى كما أنا ..
كنت أغوص فى شعور لم يحدث لى من قبل ، شىء غامض وممتع ورائحة جاذبة لا استطيع تمييزها ولم اعرف لهامصدراً ، لكنها كانت تتزايد كلما اقتربت منها.
توقفت دموعها و جفت تماما ، فتحت حقيبة يدها ، بحثت فى محتوياتها مستخرجة علبة سجائرها ، أخرجت سيجارة اشعلتها ثم سجبت منها دخانا نفثته صانعة سحابة كللت وجهها ، تلفتت حولها لكنها لم تجدنى ولم تجد كومة المناديل المبللة بدموعها.