السبت، 22 أغسطس 2009

نهاية الإبداع

أتعجب عنندما أفكر فى حال الدنيا اذا فقد المبدعون قدراتهم الإبداعية تلك ، لا أسأل عن حال المبدعين ساعتها ولكنى أسأل عن حال الدنيا وما ستؤؤل إليه
فالإبداع هو الخلق المستمر لأشياء ليست موجودة ، وبالضرورة يجب ألا تكون موجودة من قبل ، هذه المخلوقات عندما تكتمل بين يدى صانعها تعمل بدورها لتنحت فى الصخور مجارى لتسيير أنهار الحياة التى تسقى ذلك الزمن المتعطش دائما ، فالحياة بلا إبداع إذاً لن تستمر ولن تتوقف عن التراجع المضطرد بل وسيستمر إضمحلالها وصولا إلى الزوال الكامل والفناء السريع.
المبدع يجدد للحياة شبابها ويلبسها ثوب الزفاف كل ليلة ، وهو الذى يرتق لها غشاء بكارتها كلما فضته صورايخ الجهل و ألغام التخلف ، والإبداع على الإطلاق هو الذى من أجله تدور الشمس وحولها تدور الأرض فى رقصة الأبد التى لم تتوقف ولن تتوقف إلا مع توقف قلب آخر المبدعين .
الأزمة الحقيقية تحدث عندما يفقد المبدع إيمانه بما بين يديه ، فالأنبياء كانوا اول من آمن بما جاؤا به للناس ،الا أن الأنبياء لم يتوقفوا عن الدعوة كلما أنحسر عدد المستجبين ولم يزدهم الأعراض ألا استمرارا ، حتى ان أكثرهم لم يعش حتى يرى ثمرة دعوته .
لعلى لم أهرطق عندما ربطت بين الإبداع والنبوة ،فدأبُ المبدعين والأنبياء الإتيان بأشياء مغايرة لما هو سائد فى عصورهم ، وعموما لكل زمن أنبياؤه وفى العصر الردىء يكثر الأنبياء ، وإذا اتفقنا على أننا نتقلب فى أتون ردة حضارية غير مسبوقة ، و اذا أتفقنا على أن الانحسار الثقافى لم يتبعه حتى الآن اى مد منذ امد طويل فى وطننا العربى ، فلابد اننا سنتفق على أننا فى أشد الحاجة إلى المبدعين وبخاصة أصحاب الأقلام منهم ، وليس ذلك لفضلهم على من هم سواهم و لكن لإمتداد أثرهم وطليعيتهم ولخطورة رؤاهم التى تتحدد على أساسها ملامح المستقبل ومصير الأجيال ، و مع ذلك فالطريق أمام أصحاب الأقلام - الكتاب و الشعراء والروائيين- وعر تشتد وعورته مع ازدياد اعراض المتلقى المنشغل إما بوضع رأسه فى نير هنا أو "مفرمة" هناك بينما يقضى غيره بقية عمره وهو يحاول الفكاك و الخلاص غير منتبه إلى أن الفكاك لن يكلفه سوى مجهود بسيط يعادل المجهود الصادر من أطراف أصابع تتصفح كتاب .
حقاً إن نصيب الأدباء والشعراء من المتلقيين أصبح نذراً يسيراً لا يغرى ربما بالبحث ولا بالنظر ، ولا يحث أصحاب الأقلام على إخراج مافى بطونهم من عسل ، لكنى أقول لكل الأقلام ولأصحابها ولكل من وضع اسمه على غلاف كتاب أو أسفل مقالة : نعم أن الأمم تغفو وأن غفوتها ربما تطول و ان الإعراض عن الكتاب يأتى دائما كشاهد عيان على التردى وكمظهر قو ى من مجموع مظاهر هذه الغفوة ، إلا أن أرفف المكتبات وخزانة الكتب هى أول ما يقصدون بعد يقظتهم مباشرة، فعلينا إذاً ألا نتوقف ، وأن نرفع من درجة جهازيتنا مع زيادة الفضاء عمارة بإبداعاتنا المختلفة .

تحية لكل صاحب قلم فى عالمنا العربى فهو جدير بكل إحترام ، و ربما أكثر من غيره من مبدعى العالم وهذ ليست شوفينية ، بل هى موضوعية تزداد وجاهة إذا عرفنا ان أكثر أدبائنا لا يؤجرون إلا قليلا على أبداعهم بل أنى اعرف كثيرين منهم ينفقون على كتبهم ولا ينتظرون عوائداً، مخالفين بذلك ما هو معروف ومعمول به فى دول لا تنتمى إلى إقليمنا ، ربما تكون أقل منا ثروة ولكنهم أكثر يقظة يتمتعون بمناخ صحو جعلهم يعرفون للكاتب منزلته ويعتمدون عليه فى رسم المستقبل وتحديد المصير، ولذلك فهم من ناحية يوفرون له ما لا يتوفر لغيره من تسهيلات فى كافة مناحى الحياة رعاية منهم لإبداعاته و استرضاعا لقلمه وما يخرج منه واستعجالا له حتى يطلق سراح طيور أفكاره من أوكارها ، ومن ناحية اخرى يرسخون قيم المطالعة فى نفوس الجماهير القارئة بطرائق وأساليب كتلك التى نروج لها فى بلادنا للهو والمرح والكسل والإستهلاك.
سنظل مستهلكين لحضارات الآخرين وما يمليه ذلك علينا من تنازل و قبول للمرفوض إذا لم نقرا ونبحث عن الحكمة فى بطون الكتب ، الروايات ، القصص و دواويين الشعراء ، ليس هذا فحسب بل والتفاعل مع الكاتب ومناقشته مباشرة او مراسلتة أعتصارا لحكمته وتفاعلاً حياً معه.
سيظل الكتاب نهراً حميما يحتضننا بين دفتيه فى أى وقت و يقبل النزول فى ضيافتنا حيثما كنا ، وهذه العلاقة بين الكتاب وقارئه لم يُرى لها مثيلا حتى اليوم مع أى وسيطة حديثة من وسائط نقل المعرفة ، كما أن الكتاب عادة ما يتخذ من قارئه شريكا بعد أن يستفز مهابط الوحى ومصابيح الأستكشاف والتصوير فى نفسه ، والبون شاسع بين المشاهد و الشريك لو حاولنا المقارنة بين الكتاب و غيره من الوسائط أمام المتلقى