الأربعاء، 20 مايو 2009

الفراشة الإسبانية







عرفتها منذ عامين ، كانت عائدة تواً من الغربة ، مطلقة ، قالت لى أنها متخصصة فى طب النفس ، حتى جاءها هذا الرجل الذى كان يعانى من الصحة المفرطة ،
فنى التكييف والتبريد ...ثورمهتاج ...ضاجع كل إمرأة ربطته بها صلة أوعلاقة ، إستجاب لكل تحرشات عميلاته عندما كان يذهب لزيارتهن لأداء عمله أو للصيانة الدورية التى كان بارعا فيها ، أصبح تليفونة لايتوقف عن الدق ، ينتقل من بيت إلى بيت عندما كان يستقبل إستدعاءات عاجلة من نسوة فى حاجة ماسة لصيانة ، أصبح خبيراً يعرف العيب من الصوت ، تحرر من كل أدواته واكتفى بأداة واحدة ظن انها كافية لحل جميع المشاكل وعمل كل الصيانات اللازمة.
قرر أن يتوقف فجأة و قرر ان يحبس الثور فى منفى بعيد ، لم يكن ذلك سهلاً كما ظن فى البداية ، تحولت ليالية الى كوابيس ، جافاه مرقده و عز عليه النوم حتى وصف له صديق عنوان عيادتها.

وقعت عليه الكشف بعد أن استمعت إليه ، دونت كل شىء مختبئة خلف المعطف الأبيض والعطرالخلاب والنظارة الشفاقة ، أعادت الكشف مرة إخرى بعد أن نزعت القفازات البلاستيكية من يديها ، تحسست صدره ولكن بأنامل الأنثى ... إرتبكت عندما تقاطرت نظراته لها ، أحتمت بمكتبها و تظاهرت بتدوين ما لا تعرف ، حاولت اخفاء الداخل خلف رداء الجد وعدسات الاكتراث.

داهمتها النملة فى فراش الليل ، و لم تكتف بلدغ أناملها التى تحسست جسده نهاراً ، بل إخترقت جلدها ، واصلت فتوحاتها النافذة بنجاح حتى اقتربت ملامسةً جدار البركان الخامد فيها الذى كانت تحوم فوقه فراشة مسكينة تبحث عن حريق

قالت لى أنها طلبت الطلاق من زوجها الأمريكى الذى أسلم من أجلها والذى حمد الله أن الاسلام يبيح الطلاق..والذى أصبح هادئا وعاديا قبل أن تهدأ الفراشة الأسبانية كما كان يناديها .

مر ربيع قاس ، وصيف مهيج لكنها عادت أخيراً عندما عاد الشتاء ، توقفت ثم إستدارت برأسها المختبىء خلف شعر منسدل متكسر خاشع ، ظهر بياض وجهها الممتقع المضطرب ، جاست بعينيها فى النوافذ الواطئة وهى تسابق الشمس المطرودة بظلمة الليل الذى بدا فى تثبيت أوتاد خيمته فوق الشارع النحيل المرصوف بحجارة سوداء والمحاصر ببنايات قديمة متهالكة تآكلت على جدرانها كل الحضارات وإختبأ ماضيها خلف سديم الزمن المحترق، تخطو مستعبدةٍ ولكنها تتذكر كيف إنتقلت من" أورانج كاونتى" إلى " درب الشنف" ومن من إستاذ فى جامعة هارفارد إلى فنى تكييف لكن الفراشة الأسبانية سيطرت على بركانها بعد ليلة مضى عليها شهور قضتها فى أحضانه فى بيت قديم هنا أو هناك فى منتصف الشارع أو فى آخره فى منزل يحمل رقم سبعين ، قتلها الندم من قبل ، أبعدت نفسها عن هذا الثور ، عاشت بعيدة عنه بقوة المنع التى تفرزها طاقة الندم ، حتى ورقة الزواج لم تحصل لها على أى اى صكوك تغفربها لنفسها ما اقترفته فى حق المدنية والثراء أمام الفقر والجهل ، لكنها اليوم مندفعة إليه مرة أخرى ...إلى الثور بقوة أجنحتها المهتاجة وجسدها الذى لم يعرف أن فى العالم رجالا إلا ليلة واحدة.
واصلت توغلها فى الشارع غير عابئة لصوت مشمئز خفت بداخلها ولا لعيون النسوة المتربعة فوق عتبات المنازل تأكدت من رقم المنزل المدون فى قصاصة الورق التى استخرجتها من جيب معطفها ، نظرت لأرقام تماهت فى الحوائط على ضوء أعمدة مصابيحها كابية ، اقتربت من إمرأة تشابه عليها تكاد تذكرها ، سألتها عن المنزل رقم سبعين وعن ساكنه ، بكت المراة المتشحة بالسواد ثم قالت : هو بخير ولابد أنه مستريحُ الآن...